الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
32250 مشاهدة
باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا


قال -رحمه الله تعالى- باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا. وقال لنا الحميدي كان عند ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدا.
وقال ابن مسعود حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق. وقال شقيق عن عبد الله سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمة.
وقال حذيفة حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثين. وقال أبو العالية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه. وقال أنس -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه -عز وجل-.
وقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربكم -عز وجل-.
قال أبو عبد الله حدثنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة .


لما اشتغل العلماء برواية الحديث كان أحدهم يرويه عن شيخه بقوله: سمعت الشيخ فلان. وبعضهم يقول: حدثني شيخي فلان. وبعضهم يقول: أخبرني فلان. وبعضهم يقول: أنبأنا فلان. وبعضهم يقول: روى لنا فلان. ثم اختلفوا هل مدلولها واحد، أم بينها اختلاف؟ وذلك لأن بعضا منهم صار يتساهل في الرواية ويروي ما لم يسمعه؛ فلذلك اصطلح بعضهم على بعض الاصطلاحات، وبعضهم سوى بينها.
فالبخاري وكذلك شيخه الحميدي وشيخ شيخه سفيان بن عيينة يرون أنه لا فرق بين أن يقول: سمعت وحدثني وأخبرني أن جميع المؤدى واحد يقول: إذا رويت عن شيخك حديثا فإنك ترويه بأحد هذه العبارات، كثيرا ما يروي البخاري -مثلا- عن شيخه الحميدي واسمه عبد الله بن الزبير صاحب المسند المطبوع مسند الحميدي فيقول: حدثنا الحميدي أو حدثنا عبد الله بن الزبير يعني الذي هو الحميدي حدثنا سفيان -يعني ابن عيينة - حدثنا الزهري حدثني سالم حدثني ابن عمر فهذا من أحاديثه.
البخاري –مثلا- يجوز عنده أن يقول: حدثني وأخبرني، كثيرا ما يأتي بـأخبرنا حكاية لما قاله شيخه غالبا إذا جاء شيخه بعبارة فإنه يأتي بها كما جاء بها حرصا على أن يؤديها كما سمعها، فيقول –مثلا- حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب -يعني الزهري - فشعيب يخبر بأبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب فدائما أبو اليمان يقول: أخبرنا ولا يقول حدثنا.
أما مسلم صاحب الصحيح فإنه يفرق بينهما؛ فدائما يذكر عبارات مشائخه.
فإذا روى عن ثلاثة مشائخ بيَّن من قال: حدثنا ومن قال: أخبرنا، فيقول: -مثلا- حدثنا يحيى بن يحيى و يحيى بن أيوب و قتيبة بن سعيد و علي بن حجر قال يحيى بن يحيى أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا.
يعني أتى بعباراتهم أن يحيى بن يحيى يقول دائما: أخبرنا، والبقية يقولون: حدثنا مع أن الجميع سمعوه من شيخهم سواء، ولكن بعضهم يعبر بـأخبرنا بعضهم يعبر بـحدثنا وأكثرهم اصطلحوا على أن حدثنا إذا سمع الحديث ومعه غيره من كلام الشيخ، إذا قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر فمعناه تكلم بهذا الحديث ونحن نسمع ونحن جماعة وإذا قال: حدثني إسماعيل بن جعفر فمعناه أنه حدثنيه وأنا وحدي سمعته من كلامه.
وإذا قال: أخبرنا فإنه قرئ عليه الكتاب أو الحديث وهم حاضرون؛ فجاء الخبر إليهم كأنه كتب الحديث في رسالة أو كتبه في أوراق وأعطاه واحدا منهم، وقال: هذه أحاديثي التي حدثتها –مثلا- التي حدثنيها مشائخي، اقرأها يا أحدهم فإذا قرأها عليهم والشيخ يسمع وهم يسمعون ويقر ذلك فإنهم يقولون: أخبرنا إسماعيل -مثلا- أو أخبرنا وكيع هذا اصطلاح من الإمام مسلم وغيره.
أما البخاري فعنده أنها سواء واستدل بأنها مستعملة عند كثير من الصحابة فابن مسعود روى حديثا في القدر وقال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، فاستعمل كلمة حدثنا.
وحذيفة يقول :حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال إلى آخر الحديث يتعلق بالأمانة وبنزعها، رواه مسلم كاملا، وكذلك في حديث عبد الله بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي مرة بجمار فأكل منه بعض أصحابه جمار النخل ثم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المؤمن حدثوني ما هي؟ حدثوني يعني تكلموا بذلك فخاض الناس في شجر البوادي الإيضاح في البوادي يقول ابن عمر ووقع في نفسي أنها النخلة ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله .
فالحاصل أنه قال :حدثوني وقالوا: حدثنا يعني تكلم بذلك أمامنا.
كذلك أيضا كلمة عن جاءت في هذه الأحاديث يرويه عن ربه، يرويه عن ربكم -سبحانه وتعالى- اصطلح المحدثون على أن العنعنة أقل رتبة من التحديث، فإذا قال –مثلا- عن الزهري عن سالم عن أبيه احتمل أنه سمعه من الزهري أو لم يسمعه بل بينه وبينه واسطة؛ فلذلك لا يقبلون العنعنة إلا إذا كان ذلك المعنعن غير مدلس.
المدلس هو الذي يسقط شيخه ويروي الحديث عن شيخ شيخه الذي قد لقيه ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث، فأحيانا سفيان بن عيينة -رحمه الله- يستعمل التدليس أحيانًا، فإما أن يقول: عن الزهري أو يقول: قال الزهري أو يقول: الزهري عن نافع عن ابن عمر أو عن سالم عن ابن عمر وكثير من الذين يستعملون التدليس يقولون: لا يقبل الحديث عنهم إلا إذا صرحوا بالتحديث، إذا قالوا: حدثنا الزهري وعلى كل حال هذه من عبارات المؤلفين أنهم يستعملون حدثنا وأخبرنا وسمعت وعن وأنبأنا لرواية الحديث عن مشائخهم.